هل يلحق العرب بركب الذكاء الاصطناعي؟... عن عصر التفوق الخليجي القادم
اليوم تُطرح بضع أسئلة عن واقع العرب في هذه التحولات الهائلة في العالم: أين العرب اليوم من الذكاء الاصطناعي؟ وهل سيستطيعون اللحاق بركابه؟ ما الذي قاموا به حتى تاريخه على هذا الصعيد؟ وهل تؤدي المنافسة بين دول الخليج في هذا المجال إلى تسريع عملية دمج الذكاء الاصطناعي في اقتصادها أم أنّ نقص التعاون سيأكل من إمكانياته الموعودة؟
الاستعدادية... للذكاء الاصطناعي
وفي مؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي لعام 2024، يشير الجدول التالي إلى أنّ الولايات المتحدّة تتصدّر القائمة في الاستعدادية:
في أي مجالات من الذكاء الاصطناعي استثمرت الدول العربية؟
في ما يلي، بعض من مجالات الذكاء الاصطناعي التي يتم تطبيقها في البلدان العربية حتى تاريخه:
في تطوير نظام بيئي شامل للذكاء الاصطناعي
السعودية : تم إطلاق مشروع "ترانسندنس" (Transcendence)، الذي يرمي إلى تطوير نظام بيئي شامل للذكاء الاصطناعي، ويضمّ مراكز بيانات حديثة، وشركات ناشئة مبتكرة، ومجموعة مواهب عالمية ماهرة.
الإمارات العربية المتحدة : أطلق مجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة برنامج فالكون (Falcon LLM)، الذي يُعدّ منافساً معيارياً في العالم العربي لنماذج اللغة العالمية ويعرض الابتكار المحلي.
في إدارة الطاقة والتخطيط الحضري والخدمات العامة
السعودية : تدمج نيوم (Neom)، الذكاء الاصطناعي لإدارة الطاقة والتخطيط الحضري والخدمات العامة. كما تم تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي لتخصيص التعلم ودعم المعلمين في الفصول الدراسية، ما أدى إلى تحسين نتائج الطلاب وتحسين الموارد.
في الرياضة
قطر : استفادت قطر من الذكاء الاصطناعي خلال كأس العالم لكرة القدم 2022، لإدارة الحشود والأمن والتخطيط للأحداث، ما أدى إلى تعزيز السلامة والكفاءة التشغيلية، وتلقى اعترافاً عالمياً بذلك.
في الاتصالات
قطر : تعاونت شركة الاتصالات القطرية أوريدو (Ooredoo)، مع نفيديا (NVIDIA)، لتنفيذ عمليات نشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
في مجال التنبؤ بغلّة المحاصيل وإدارة موارد المياه وتحسين الإنتاجية الزراعية
مصر : تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بغلّة المحاصيل وإدارة موارد المياه وتحسين الإنتاجية الزراعية، ما يساهم في زيادة الكفاءة في استخدام الموارد ودعم المزارعين. في مجال تطوير كفاءة الإدارة العامة ومشاريع المدن الذكية
المغرب : يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الإدارة العامة ودمج الذكاء الاصطناعي في مشاريع المدن الذكية مثل مدينة الدار البيضاء الذكية.
في الرعاية الصحية للكشف المبكر عن الأمراض
الإمارات : يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتتبّع المخالطين وتوزيع اللقاحات والنمذجة التنبؤية في أثناء الوباء. وتم نشر طائرات من دون طيار مزوّدة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتطهير الأماكن العامة. وقد أدّى ذلك إلى تقليل أوقات الاستجابة وزيادة السلامة العامة.
تونس : إطلاق مبادرات ذكية في الرعاية الصحية للكشف المبكر عن الأمراض.
الجزائر : التركيز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية بالشراكة مع الجامعات وشركات التكنولوجيا.
في النقل العام وإدارة المرور
المغرب : طبقت الدار البيضاء الذكاء الاصطناعي في النقل العام وإدارة المرور، ما أدى إلى تقليل الازدحام المروري وتحسين التنقل الحضري.
في التعليم
مصر : تم تنفيذ مبادرات مثل الفصول الدراسية الرقمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز التعلم في المناطق الريفية، في سعي إلى سدّ الفجوة التعليمية في المناطق المحرومة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مصر تُعدّ منافساً صاعداً بفضل عدد سكانها الكبير ونظامها البيئي التكنولوجي المتنامي وتحاول اللحاق بالركب.
مقارنة نسب تركيز استثمارات الذكاء الاصطناعي
ما هي العوامل التي أدّت إلى ارتفاع مؤشر الاستعداد لدى دول الخليج؟
1. وفرة الاستثمارات الشاهقة
في آذار/ مارس 2024، أنشأت حكومة السعودية صندوقاً بقيمة 40 مليار دولار مخصصاً لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، بهدف دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا وحلول الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات واسعة النطاق.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أعلنت المملكة العربية السعودية عن مبادرة بقيمة 100 مليار دولار لتطوير نظام بيئي متكامل للذكاء الاصطناعي. وتم تأسيس شركة استثمار تكنولوجي في إمارة أبو ظبي، بقيمة 100 مليار دولار (آذار/ مارس 2024)، تركز على الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
ومن المتوقع أن تصل استثمارات قطر في 15 تقنيةً ذات أولوية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني، إلى 5.7 مليارات دولار بحلول عام 2026، ارتفاعاً من 1.65 مليار دولار في عام 2022.
2. الدفع نحو نمو سريع لمراكز البيانات والخدمات السحابية وقدرات الحوسبة الفائقة
تفتخر السعودية بامتلاك أقوى نظام حوسبة في الشرق الأوسط. يوجد في المملكة 22 مركز بيانات نشطاً، مع 40 مركزاً آخر قيد التطوير، ما يوفر أساساً قوياً لعمليات الذكاء الاصطناعي المتقدمة والبحوث، كما أطلقت المملكة العربية السعودية المركز الوطني لأشباه الموصلات (National Semiconductor Hub)، بهدف استقطاب 50 شركةً بحلول عام 2030، لبناء الخبرة في تصميم أشباه الموصلات.
كذلك الأمر بالنسبة لقطر، إذ توسعت البنية التحتية لمراكز البيانات من خلال شراكات إستراتيجية مع شركات تقنية عالمية مثل مايكروسوفت وغوغل، ما عزز قدرات الحوسبة السحابية في البلاد.
3. الحوافز ودور القطاع الخاص والاستثمارات الخارجية
أعلنت قطر عن حزمة حوافز بقيمة 2.4 مليارات دولار لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي، ودفع التحول الرقمي الشامل، وتستثمر شركة الاتصالات القطرية أوريدو، نحو 550 مليون دولار لتوسيع شبكتها الإقليمية من مراكز البيانات التي ستتسع لـ120 ميغاوات على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وتستفيد السعودية من تمويل القطاع الخاص. في عام 2023، حصلت الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي هناك على أكثر من 1.7 مليارات دولار من التمويل، ما يعكس ثقة المستثمرين القوية بإمكانات القطاع.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2024، استحوذت شركة المملكة القابضة على حصة رئيسية في شركة xAI Corporation، وهي شركة ذكاء اصطناعي أسسها إيلون ماسك، مقابل 400 مليون دولار.
الجدير بالذكر هنا ازدياد ميزانيات الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص، إذ وضعت 77% من شركات الإمارات ميزانياتها المخصصة للذكاء الاصطناعي على أساس سنوي، ما يشير إلى المشاركة القوية من جانب القطاع الخاص في تبنّي الذكاء الاصطناعي.
وفي شباط/ فبراير 2024، أعلنت الإمارات عن إطلاق منصة الذكاء الاصطناعي والبحث، بقيمة 500 مليون دولار، وتتضمن هذه المبادرة مؤسسة فالكون بقيمة 300 مليون دولار مخصصة لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مفتوحة المصدر.
وفي أبريل/ نيسان 2024، استثمرت مايكروسوفت ما قيمته 1.5 مليار دولار في G42، وهي شركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة.
4. أهداف التعليم والتدريب على الذكاء الاصطناعي
الإمارات العربية المتحدة: تدريب أو استهداف 50,000 طالب.
المملكة العربية السعودية: استهداف 100,000 طالب بحلول عام 2030.
قطر: استهداف 20,000 طالب.
5. تقديرات خلق فرص العمل
على ضوء ما سبق، ما هي التحديات التي تواجه دول الخليج في سد فجوة الذكاء الاصطناعي؟
التحدّيات في سد فجوة الذكاء الاصطناعي
1. الدخول المتأخر ودورات الابتكار السريعة
أنشأت الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين أنظمة بيئية للذكاء الاصطناعي ومجموعات بيانات ضخمة وأبحاث متطورة. ويواجه الوافدون الجدد كالبلدان العربية منافسة شديدة مع تسارع وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب اللحاق بالركب.
2. التفاوت في الاستثمار
تستثمر الدول المتقدمة مليارات الدولارات منذ سنوات طويلة في الذكاء الاصطناعي. وفي حين تكافح معظم البلدان العربية الوافدة متأخراً لمواكبة هذه الأحجام بسبب مواردها المحدودة، مما يؤدي إلى فجوات في البنى التحتية، والمواهب، وقدرات البحث والتطوير. في المقابل، تسمح إمكانيات دول الخليج بتسخير استثمارات هائلة في هذا المجال.
3. المواهب وهجرة الأدمغة
يتطلب الذكاء الاصطناعي قوة عاملة ذات مهارات عالية، وتبدو أرقام طموحات بلدان الخليج في التعليم متواضعة مقارنة باستثماراتها وبحاجات شعوبها.
من ناحية أخرى، تعاني العديد من الدول النامية من هجرة الأدمغة، حيث تبحث المواهب المحلية عن فرص في البلدان المتقدمة. وهذا يوسع فجوة المواهب. ففي مصر مثلاً، تكشف الدراسات، أن نسبة هجرة العقول بلغت حوالي 60% من إجمالي المهاجرين بصفة دائمة للخارج في الفترة من 1990، وحتى 2019، وهي نسبة تضر بالتنمية والنمو الاقتصادي بكل المقاييس.
ويشير توزيع نسب المهاجرين، إلى أن أصحاب المؤهلات العليا يمثلون 92%، بينما بلغت المؤهلات فوق الجامعية (8% موزعة بين 3% دبلوم و4% ماجستير و1% دكتوراه).
4. الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة
غالبًا ما تعتمد البلدان العربية التي تدخل الذكاء الاصطناعي متأخرًا على التقنيات والخبرات المستوردة، مما قد يعيق تطوير أنظمة بيئية مكتفية ذاتيًا. ورغم الجهود المبذولة على هذا الصعيد، لم تزل البلدان العربية تتكل بشكل كثيف على الأنظمة الغربية للذكاء الاصطناعي من تجهيزات وبرامج وخبرات.
5. التأخير في وضع الأطر الأخلاقية والتنظيمية
بدأت الدول المتقدمة في وضع أطر للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، في حين تكافح الدول العربية في الانضمام إلى هذا المجال من أجل تنظيمه بشكل فعال لأسباب أمنية سياسية.
6. سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي
تستثمر دول الخليج في الذكاء الاصطناعي للدفاع والأمن، مما يؤدي إلى تأجيج سباق التسلح به في المنطقة. وحاليا تتصاعد المنافسات بين دول مجلس التعاون الخليجي أو مع الدول المجاورة بسبب إدخال القدرات العسكرية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ليس من المستحيل سد الفجوة... ولكن
وفي حين تتمتع البلدان المتقدمة بميزة البداية، فإن التركيز الاستراتيجي على مجالات محددة من الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد البلدان الوافدة حديثاً على إحراز تقدم كبير. ويسمح التخصص للمتأخرين بتكوين القيادة في مجالات متخصصة بدلاً من المنافسة على نطاق واسع.
كذلك الأمر بالنسبة للشراكة مع عمالقة التكنولوجيا (مثل Microsoft وGoogle) أو الانضمام إلى مبادرات الذكاء الاصطناعي العالمية التي تودي إلى تسريع التقدم من خلال تبادل الخبرات والموارد، لكن مع ما يحمله ذلك من مخاطر اطلاع هذه المؤسسات العالمية على معلومات تمس بالسيادة.
أما بالنسبة للتنافس داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فمن المبكر استنتاج نتائجه وانعكاساته على تطور أسواق الذكاء الاصطناعي لديهم. إذ أن هذا التنافس قد يودي إلى تسريع عملية دمجه في اقتصادها كما قد يودي إلى التنافس على المجالات ذاتها دون تمييز ولا تعاون.
وهنا أيضا، تخشى دول الخليج بعضها البعض في التعاون في الذكاء الاصطناعي بسبب مخاطر الحصول على معلومات تمس بالسيادة.
أخيراً، لقد حقّقت العديد من الدول العربية نجاحات مذكورة في مجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والمدن الذكية. ومع ذلك، يبدو أن المنطقة لا تزال في المراحل الأولى من تحقيق الإمكانات التحويلية الكاملة للذكاء الاصطناعي.
لقد أخذت دول الخليج اللحاق بقطار الذكاء الاصطناعي التوليدي (generative AI)، ليصبح السؤال المطروح: هل تنتقل هذه الدول إلى الذكاء الاصطناعي التحويلي بحيث يؤدي إلى تحويل صناعاتها ومجتمعها؟ وهل تكفي الاستثمارات المالية لتحقيق ذلك؟